تشهد السعودية تحوّلاً لافتاً باعتبارها مركزاً رئيسياً لصفقات التخارج في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يضعها في موقع منافسة جادة للإمارات التي لطالما تصدّرت هذا المشهد. ويأتي هذا التحوّل في إطار جهود المملكة لتنويع اقتصادها، إلى جانب نمو مشهد رأس المال الجريء ونضوج منظومة الشركات الناشئة فيها.
ورغم استمرار تصدّر الإمارات بحصة تبلغ نحو 60% من إجمالي التخارجات في المنطقة، فإن السعودية سجّلت نمواً ملحوظاً، إذ ارتفعت حصتها من 12% في عام 2021 إلى حوالي 20% في السنوات الأخيرة، رغم حداثة سوقها الاستثماري الذي لم يتجاوز عمره خمس سنوات تقريباً[1].
تعكس هذه المؤشرات نجاح رؤية السعودية 2030، وما يصاحبها من طفرة اقتصادية واستثمارات استراتيجية في البنية التحتية لريادة الأعمال، الأمر الذي يهيّئ بيئة جاذبة للشركات الناشئة من داخل المملكة وخارجها، ويمنحها فرصاً متنامية للتخارج من خلال صفقات استحواذ أو إدراج في الأسواق المالية.
لطالما هيمنت الإمارات على مشهد الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث كانت الوجهة الأولى لنمو الشركات وتحقيق التخارجات الناجحة. ومع استحواذها تقليدياً على نحو 60% من صفقات التخارج في المنطقة، رسّخت مكانتها كمركز مفضّل لرواد الأعمال الراغبين في التوسّع وتحقيق العوائد المجزية[2].
لكن هذا التوازن بدأ يتغير في السنوات الأخيرة، حيث تواصل السعودية تعزيز حضورها في سوق التخارجات الإقليمي. ففي عام 2022، شهدت المنطقة 57 صفقة تخارج عبر عمليات اندماج واستحواذ، أي بزيادة قدرها 30% مقارنة بالعام السابق [5]. ورغم أن الإمارات قادت هذا النشاط بـ 23 شركة محلية تم الاستحواذ عليها، جاءت مصر في المرتبة الثانية بـ 14 صفقة، تليها السعودية بـ 8 تخارجات[5].
وتكتسب هذه الأرقام أهمية خاصة بالنظر إلى حداثة منظومة رأس المال الجريء في السعودية، والتي بدأت تتشكل بفعالية قبل نحو خمس سنوات فقط. ويُعد صعود المملكة في هذا المجال إنجازاً لافتاً، لا سيما أن متوسط عمر الشركات الناشئة للوصول إلى مرحلة التخارج يتجاوز في العادة سبع سنوات[2].
ارتفعت حصة السعودية من صفقات التخارج في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 12% في عام 2021 إلى 20% خلال السنوات الأخيرة، وهو نمو لافت خلال فترة زمنية قصيرة. كما شهدت المملكة 9 صفقات تخارج، ما يعادل 21% من إجمالي صفقات الاندماج والاستحواذ في المنطقة، لتحتل بذلك المرتبة الثانية بعد الإمارات[2].
اللافت في هذا التطور ليس فقط ازدياد عدد الشركات السعودية التي تحقق تخارجاً، بل أيضاً تنامي دور الشركات السعودية كمستحوذين. ففي عام 2022، نفذت شركات مقرها السعودية 15 عملية استحواذ، مقارنة بأربع فقط في العام السابق[5]. هذا الارتفاع الحاد يعكس تنامي الثقة والقدرة داخل المنظومة الاقتصادية السعودية على تنفيذ صفقات استراتيجية بفعالية.
تعود مكانة السعودية المتصاعدة كسوق رئيسي لتخارجات الشركات الناشئة إلى أجندتها الطموحة في التحول الاقتصادي، بقيادة رؤية 2030. تهدف هذه الرؤية إلى تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط، خلق فرص عمل جديدة، واستقطاب الكفاءات والمهارات إلى المملكة[3].
شهد الاقتصاد السعودي نمواً استثنائياً بلغت نسبته 8.7% في أحد الأعوام الأخيرة، ما جعله الأسرع نمواً بين دول مجموعة العشرين [4]. هذا الأداء الاقتصادي القوي وفّر بيئة داعمة لنمو الشركات الناشئة، وأسهم في خلق فرص واعدة للتخارج.
وفي إطار رؤية 2030، يُتوقّع أن تسهم المنشآت الصغيرة والمتوسطة بأكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام [4]2030. وقد انعكس هذا التركيز الاستراتيجي على ريادة الأعمال في صورة استثمارات ضخمة في البنية التحتية الداعمة للمشاريع الناشئة، ما أدى إلى نشوء عدد كبير من الشركات المبتكرة [3][6].
تمثّل التكنولوجيا ركيزة أساسية في رؤية 2030، من خلال دعم رواد الأعمال في القطاعات ذات النمو السريع مثل المدفوعات، الإقراض، والتقنية المالية. هذا التوجّه نحو تمكين الابتكار الرقمي ساعد في تسريع نضج المنظومة الريادية في المملكة، وعزّز من جاذبية السوق أمام المستثمرين ورواد الأعمال على حد سواء[3].
شهدت منظومة الشركات الناشئة في السعودية تطوراً متسارعاً واستثنائياً، حيث نمت بنسبة 87% سنوياً بين عامي 2017 و2022[7]. وفي عام 2023، تصدّرت المملكة مشهد التمويل الجريء في المنطقة بجمعها تمويلاً غير مسبوق بلغ 1.38 مليار دولار، ما يشير إلى بيئة أكثر نضجاً واستقراراً لنمو الشركات وتحقيق التخارجات الناجحة [8]..
خلال السنوات الأخيرة، شهدت السعودية نمواً ملحوظاً في حجم الاستثمارات الجريئة. ففي مؤتمر LEAP 2023 بالرياض، تم الإعلان عن تسعة صناديق بقيمة إجمالية بلغت 2.4 مليار دولار، خصصت بالكامل لدعم نمو الشركات الناشئة. كما ارتفع حجم التمويل الجريء في المملكة بنسبة 72% خلال عامي 2021 و2022، ليصل إلى 987 مليون دولار عبر 144 صفقة [3].
ما يميّز مشهد التمويل الجريء في السعودية هو أن غالبية التمويل مصدره محلي، مع تركيز خاص على دعم الجولات المبكرة للشركات الناشئة العاملة في مجالات المدفوعات والإقراض [3]. هذا النظام التمويلي المحلي يوفّر مسار نمو أكثر استدامة، ويُسهم في تسهيل عمليات التخارج مستقبلاً.
نجحت المملكة في خلق بيئة أعمال مشجعة على تأسيس المشاريع ونموّها. وبحسب تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال (GEM)، أفاد 90% من المشاركين بأن تأسيس شركة في السعودية "أمر سهل"، ما يضعها في صدارة الدول التي شملها التقرير. كما رأى 80% منهم أن التغيرات التي أحدثتها الجائحة خلقت فرصاً جديدة لإنشاء مشاريع[3].
ويُعزّز هذا التوجه وجود شريحة شبابية واسعة تتمتع بوعي تقني وطلب مرتفع على الخدمات الرقمية، ما يجعل السوق السعودي بيئة ديناميكية ومغرية للمستثمرين [3]. هذا العامل الديموغرافي الإيجابي لا يدعم فقط نمو الشركات الناشئة، بل يعزز أيضاً من احتمالات التخارج الناجح.
تشهد السعودية توسعاً ملحوظاً في خيارات التخارج المتاحة للشركات الناشئة، سواء عبر الاندماجات والاستحواذات أو من خلال الطروحات الأولية في سوق الأسهم، ما يجعل التخارج من السوق المحلي خياراً أكثر واقعية وجاذبية.
من أبرز الصفقات في السوق السعودي استحواذ "تابي" على شركة "طويق" دون الإفصاح عن القيمة، وكذلك إدراج شركة "رسن" المتخصصة في التقنية المالية، التي جمعت 224 مليون دولار في طرحها الأولي في السوق السعودية (تداول) خلال يونيو [2].
ومن الأمثلة اللافتة أيضاً، إدراج شركة "جاهز" لخدمات توصيل الطعام عبر الإنترنت في السوق الموازية (نمو) عام 2022، والتي بلغت قيمتها السوقية حينها نحو 2.4 مليار دولار [2].
ورغم أن عمليات الاندماج والاستحواذ لا تزال المسار الأبرز للتخارج، إلا أن الطروحات الأولية باتت تُمثّل خياراً متزايد الجاذبية، بحسب مراقبين في القطاع [2]. ويُعزّز هذا التنوع في مسارات التخارج من جاذبية السوق السعودية كوجهة مستهدفة للشركات الناشئة والمستثمرين.
في خطوة تعبّر عن ثقة متزايدة في السوق السعودية، بدأت بعض الشركات بنقل مقارها الرئيسية إلى المملكة استعداداً للتخارج. على سبيل المثال، أعلنت شركة "تابي"، التي وصلت قيمتها إلى 660 مليون دولار بعد جولة تمويل في يناير، عن نقل مقرها من دبي إلى الرياض تمهيداً لطرحها في السوق السعودية [4]. هذا التوجّه يعكس ثقة متنامية في قدرة السوق السعودي على دعم التخارجات الناجحة، ويعزّز موقعه كسوق ناضج وواعد في مشهد ريادة الأعمال الإقليمي.
تشهد السعودية موجة متزايدة من انتقال الشركات الناشئة من مختلف أنحاء المنطقة، مدفوعةً بحالة عدم الاستقرار الاقتصادي في بعض أسواق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ما يدفع رواد الأعمال لتجاوز المراكز التقليدية مثل الإمارات والتوجه نحو المملكة [4]. هذا التحوّل يُعزّز من موقع السعودية كسوق ناشئة ومزدهرة للتخارجات.
ما يجذب رواد الأعمال إلى السعودية هو مزيج من الحوافز الاقتصادية وسوق شابة تتمتع بقوة شرائية عالية [4]. فالنمو الاقتصادي القوي في المملكة، إلى جانب السياسات الداعمة للأعمال الصغيرة، يخلق بيئة حاضنة للشركات الناشئة التي تتطلع للنمو وتحقيق تخارجات ناجحة.
من أهم دوافع هذا التوجه برنامج المقر الإقليمي الحكومي (RHQ)، الذي يشجع الشركات العالمية على تأسيس عملياتها الخليجية في المملكة العربية السعودية. يقدم البرنامج الحوافز التالية:
- حزمة إعفاءات ضريبية لمدة 30 عاماً، تشمل إعفاءً من ضريبة دخل الشركات بنسبة %0
- إعفاء من شرط السعودة لتوظيف حصة محددة من المواطنين السعوديين
- حق إصدار تأشيرات عمل غير محدودة
- وصول حصري إلى صندوق الاستثمارات العامة
- حقوق حصرية للمنافسة على العقود الحكومية
- إعفاء من الاعتماد المهني المحلي
لقد نفذت المملكة العربية السعودية إصلاحات تنظيمية كبيرة تهدف إلى خلق بيئة أعمال أكثر استقراراً وتوقعاً، ما يسهم في تسهيل تأسيس الشركات الناشئة، وتوسيعها، وتحقيق التخارجات بنجاح.
قامت المملكة بتبسيط إجراءات الأعمال من خلال منصات الترخيص الرقمية وتعديل قوانين الملكية الأجنبية، مما خفّف من المعوقات البيروقراطية أمام الشركات الناشئة. هذه التدابير تعزز من الكفاءة وتوفر مزيداً من الوضوح لرواد الأعمال والمستثمرين في التنقل ضمن السوق [7].
تشمل الحوافز الحكومية برامج مثل "رخصة ريادة الأعمال"، التي تتيح للمستثمرين غير السعوديين تأسيس وتشغيل الشركات الناشئة في المملكة، مما يساعد في جذب الكفاءات العالمية ويعزز من تنافسية النظام البيئي. إضافة إلى ذلك، تقدم مبادرات حكومية مثل الهيئة العامة للاستثمار (SAGIA) ورؤية 2030 سياسات داعمة للابتكار، مما يجعل السعودية وجهة مثالية لرواد الأعمال [9].
تعد المملكة العربية السعودية موطناً لبعض من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، مثل صندوق الاستثمارات العامة (PIF). تقوم هذه الصناديق بالاستثمار بشكل مكثف في التقنيات الحديثة والشركات الناشئة، سواء داخل المملكة أو في المنطقة، بهدف تحقيق القيمة ودفع النمو على المدى الطويل.
تُعتبر قدرة هذه الصناديق المالية ورؤيتها الاستراتيجية من العوامل التي تجعل السعودية وجهة جذابة للتخارجات، حيث تقدم السيولة والنطاق الذي يبحث عنه المستثمرون ورواد الأعمال في المراحل المبكرة.
إن بروز السعودية كسوق رئيسية للتخارجات في المنطقة يشكل تحولًا كبيرًا في المشهد الريادي الإقليمي. بفضل رؤية 2030 الطموحة، والنمو الاقتصادي القوي، والاستثمارات الاستراتيجية في بنية ريادة الأعمال، تخلق المملكة بيئة مواتية لنمو الشركات الناشئة وتحقيق التخارجات الناجحة.
الزيادة في حصة السعودية من التخارجات الإقليمية في فترة زمنية قصيرة، على الرغم من سوقها الاستثماري الناشئ نسبيًا، تشير إلى أهمية المملكة المتزايدة في نظام الشركات الناشئة في المنطقة. ومع بلوغ المزيد من الشركات الناشئة السعودية مرحلة النضج القابل للتخارج، واستمرار تطور النظام البيئي، يتوقع الخبراء زيادة فرص التخارج عبر الاندماجات والاستحواذات والطروحات الأولية.
[1] MAGNiTT. 2023 Saudi Arabia Venture Capital Report.
https://magnitt.com/research/2023-saudi-arabia-venture-capital-report-50907?utm_source=chatgpt.com
[2] The National. Why Saudi Arabia is emerging as key exit market for start-ups. Oct 2024.
https://www.thenationzzalnews.com/business/2024/10/27/why-saudi-arabia-is-emerging-as-key-exit-market-for-start-ups/
[3] Forbes. Saudi Arabia Takes A Major Leap Into A High-Tech Future. Feb 2023.
https://www.forbes.com/sites/markminevich/2023/02/28/saudi-arabia-takes-a-major-leap-into-a-high-tech-future/
[4] The Circuit. Saudi Arabia is a growing alternative for Mideast startups seeking new home. Oct 2023.
https://circuit.news/2023/10/12/saudi-arabia-is-a-growing-alternative-for-mideast-startups-seeking-new-home/
[5] Wamda. A breakdown of Mena exits in 2022. Feb 2023
https://www.wamda.com/2023/02/breakdown-mena-exits-2022
[6] Entrepreneur Middle East. A Look At How Saudi Arabia's Vision 2030 Has Spurred Entrepreneurship In The Kingdom. Apr 2023.
https://www.entrepreneur.com/en-ae/starting-a-business/a-look-at-how-saudi-arabias-vision-2030-has-spurred/449440
[7] Roland Berger. The Rise of Entrepreneurship in Saudi Arabia: A Transformative Landscape. Apr 2023.
https://www.rolandberger.com/en/Insights/Publications/The-Rise-of-Entrepreneurship-in-Saudi-Arabia-A-Transformative-Landscape.html
[8] Arab News. Saudi Arabia startup ecosystem raises $1.38bn in 2023. Jan 2024
https://www.arabnews.com/node/2441066/business-economy
[9] Inspirenet. Why Saudi Arabia is Becoming a Key Exit Market for Startups in the MENA Region. Nov 2024.
https://www.inspirenet.com.sa/why-saudi-arabia-is-becoming-a-key-exit-market-for-startups-in-the-mena-region/